بسم الله الرحمن الرحيم
إن الإسلام إنما جاء هدى و رحمة للعالمين من يوم نزوله إلى أن تقوم الساعة، وهو ليس عدوا لمن استظل تحت رايته أو سالمه وسالم أهله، بل عدوُّ الناس وعدو تقسه هو الذي يعاديه ويعادي أهله...
ورحمة الإسلام ليست خاصة بالآخرة فقط، وأن كانت رحمة الآخرة هي الأعلى والأغلى والأنقى. ولكن رحمة الدنيا تسبق رحمة الآخرة، فلا رحمة في الآخرة لمن لم ينل رحمة الله الدينية في الدنيا، ورحمة الله في الدنيا إنما ينالها حقا من اتصل بخالقه إيمانا وعبادة وسلوكا، وطبق شرع الله في حياته، فقام بحق الله وحق نفسه وحق خلقه، على ضوء ما شرع الله في كتابه وسنة رسوله...
رحمة الله في الآخرة خاصة بالمؤمنين من كل الأمم, وأما رحمته في الآخرة، فهي خاصة بالمؤمنين من عباده، ممن آمنوا برسله ولم يفرقوا بين أحد منهم، وخاتمهم رسول الله إلى العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينال رحمة الله إلا من آمن به واتبع صراطه المستقيم.
قال تعالى:
"قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157)" [الأعراف]
ورحمة المسلمين شاملة ولا تختص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا. فقد أمر صلى الله عليه وسلم أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه الأرض، من إنسان وحيوان.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي قَابُوسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (الترمذي 1847).
ونفى الله تعالى رحمته عمن لم يرحم الناس, وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من الغلظة والشدة والعدوان على الناس، ولا يلزم منه حرمان من فقد الرحمة الواجبة من رحمة الله له في الدنيا، بمنحه الرزق والصحة والقوة المادية والذرية وغيرها، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، ابتلاء له وامتحانا، لأن رحمة الله في الدنيا تعم جميع خلقه.
وفي الجهاد رحمة, و الأصل أن يقوم المسلمين بدعوة غيرهم إلى هذا الدين، ليتمتعوا برحمة الله في منهج حياتهم في الدنيا، ولينالوا رضاه ورحمته في الآخرة، وأساس دعوتهم اللين والحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله تعالى بذلك نبيهم، وأمره أمر لهم، فقال تعالى:
"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(125) [النحل]
وإذا نظرنا إلى حالة الأمة العربية الإسلامية اليوم فنجد انعدام الرحمة عند المسلمين لأنفسهم ولغيرهم من بشر وحيوان. ألا يدل ذلك على سوء حالنا نحن المسلمين، وبخاصة العرب الذين كانت الفرص متاحة لهم ليبينوا للشعوب الغربية الحقائق المرة، ويكشفوا لهم الأباطيل التي ضللتهم وأعطتهم صورا مزيفة عنا؟
أيضاً إن شبابنا هذا في حاجة ماسة إلى وقايته وعلاج، بتعاون المجتمع كله على ذلك: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمساجد... وغيرها..
وأيضاً أستمع إلى بعض الإعلاميين وبعض السياسيين وغيرهم وهم يتبارون في الموضوعات المهمة باللغة العربية، فأسر يذلك كثيرا، وأتمنى أن يكون كلامهم موجها إلى الشعوب الغربية, فهل نحن عاجزون عن ذلك أو خافون من القيام به, ألا إن ذلك لمن أعظم الجهاد الذي يمكن أن يحقق للمسلمين ما لا يحققه الصاروخ والمدفع والرشاش.. لو كنا نعقل أو نسمع... فهل من مجيب؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.