قدم المنتخب المصري عروضا من مستوى رفيع ابهرت الجميع متفرجين على الطبيعة في المدرجات ومشاهدين عبر شاشات التلفزة ولقن الدروس لمنافسيه وقدم العبر للراغبين في تحقيق الانجازات غير المسبوقة حين ابقى في حوزته الرقم القياسي في عدد مرات الفوز باللقب. واسكت المدير الفني حسن شحاتة ورجاله المنتقدين وهم كثر بعد ان شككوا في قدرتهم على الاحتفاظ بالكأس واستبعادههم من دائرة المنافسة ولم يكن اشد المتفائلين بهم يتوقع ان يتخطى المنتخب المصري الدور الاول بسبب غياب ابرز عناصره احمد حسام "ميدو" ومحمد بركات بسبب الاصابة وحسام غالي الذي فضل الانتقال الى اللعب مع دربي كاونتي الانجليزي بدلا من مساندة منتخب بلاده في الامتحان القاري اضافة الى ايقاف قائده احمد حسن في المباراة الاولى بسبب طرده في المباراة الاخيرة في التصفيات.
لكن هذه الظروف الصعبة كانت بمثابة حافز كبير امام لاعبي المنتخب المصري ومديرهم الفني للتفوق على انفسهم فلفتوا الانظار من المباراة الاولى حين روضوا الاسود الكاميرونية بفوز ساحق 4-2. ولعل ابرز الدروس التي يمكن استخلاصها من تألق الفراعنة هو ان اللقب تحقق بقيادة اطار فني محلي مئة بالمئة في وقت تهافتت فيه المنتخبات القارية على الاسماء العالمية ابرزها من المدرسة الفرنسية امثال هنري ميشيل (المغرب) وهنري كاسبرجاك (السنغال) وجيرار جيلي (ساحل العاج) وجان فرانسوا جودار (مالي) وروبير نوزاريه (غينيا) والالماني بيرتي فوجتس (نيجيريا) ومواطنه اوتو بفيستر (الكاميرون) وجميعهم فشلوا فشلا ذريعا في الصعود على قمة منصة التتويج. ونجح شحاتة في تدوين اسمه باحرف بارزة في تاريخ اللعبة في بلاد الفراعنة كونه اول مصري يحرز لقبين متتاليين وكذلك في افريقيا باعتباره اول مدرب يحقق هذا الانجاز منذ الغاني تشارلز جيامفي (1963 و1965) علما بان الاخير هو المدرب الوحيد الذي احرز 3 كؤوس قارية (توج عام 1982 مع غانا ايضا في ليبيا).
وخاضت مصر الدور الاول ضمن المجموعة الثالثة فاتخمت شباك السودان بثلاثية نظيفة في الجولة الثانية وارتضت بالتعادل مع زامبيا 1-1 في الثالثة ثم اقصت انغولا في ربع النهائي 2-1 قبل ان تضرب بقوة في نصف النهائي وتخرج ساحل العاج القوية 4-1 وتجدد فوزها اخيرا على الكاميرون في المباراة النهائية بهدف للنجم المطلق محمد ابو تريكة الذي اشاد بما اعتبره "انجازا رائعا وتاريخيا ساهم في تحقيقه لاعبون متميزون اثبتوا انتماءهم لبلدهم بفضل روحهم الجماعية والقتالية". وكان المنتخب المصري متكاملا ومنسجما في جميع خطوطه خلال البطولة الافريقية فاختير 5 من لاعبيه ضمن التشكيلة المثالية الاساسية هم الحارس عصام الحضري ووائل جمعة وحسني عبد ربه ومحمد ابو تريكة وعمرو زكي علما بان المدافعين احمد فتحي وهاني سعيد اختيرا ضمن تشكيلة احتياطية من 6 لاعبين.
ويحلم شحاته ومنتخبه الذي احتل المركز السادس عشر في التصنيف العالمي لاول مرة في تاريخه منذ اعتماد هذا التصنيف بجعل فرحة المصريين مكتملة من خلال التأهل ليس الى نهائيات امم افريقيا 2010 في انغولا التي باتت شبه مضمونة وانما ببلوغ نهائيات مونديال 2010 في جنوب افريقيا للمرة الاولى منذ 1990 في ايطاليا وللمرة الثالثة في تاريخها بعد 1934 في ايطاليا ايضا. واوقعت قرعة تصفيات الدور الحاسم مصر في المجموعة الثالثة وهي ليست صعبة عموما وتضم رواندا والجزائر وزامبيا حيث سيتأهل بطلها الى نهائيات المونديال فيما تتأهل المنتخبات الثلاثة الاولى الى نهائيات الامم الافريقية.
وحظي اعضاء بعثة المنتخب باستقبال الابطال لدى عودتهم الى القاهرة حاملين الكاس الافريقية حيث كان في استقبالهم الرئيس المصري حسني مبارك وولداه علاء وجمال في القاعة الرئاسية في المطار فيما رقص الملايين في جميع المحافظات ابتهاجا.
واكد جمال مبارك ان "الرئيس ارجأ سفره الى الامارات العربية المتحدة لمدة 24 ساعة حتى يتمكن من استقبال الفريق القومي. اشعر بفرحة لا توصف انه انتصار تاريخي". وعانق الرئيس مبارك ووولداه المدرب حسن شحاته ثم جميع اعضائه واحدا تلو الاخر وخصوصا محمد زيدان صانع هدف الفوز الذي استطاع محمد ابو تريكة ان يهز به شباك الفريق الكاميروني وايضا الحارس العملاق عصام الحضري.
واعلن التلفزيون الحكومي عن تبرع عدد من رجال الاعمال المصريين والعرب بمكافات تصل الى 10 ملايين جنية مصر (اكثر من 2 مليون دولار) للاعبين. ولم يأت نجاح المنتخب المصري من فراغ لان لاعبي الاهلي "نادي القرن" الذين توجوا ابطالا لمسابقة دوري ابطال افريقيا عامي 2005 و2006 وحلوا في مركز الوصيف للنجم الساحلي التونسي عام 2007 قبل ان يستعيدوا اللقب عام 2008 يملكون الرقم القياسي ايضا وهم يشكلون العمود الفقري للمنتخب. واحتفظ النادي الصفاقسي الرياضي بلقب بطل كأس الاتحاد الافريقي للعام الثاني على التوالي.