دخل أحمد البيت مسرعاً ينادي أمه بأعلى صوته ... أمي لقد تم قبولي في برنامج الابتعاث ... جاءت الأم ومشاعر الحزن والشوق قد توارت خلف ابتسامتها المحفزة ... وزفراتها قد اختلطت بتمتمة دعواتها له بأن يحفظ الله له دينه ونفسه وأن يبلغه ما يريد
بدأ يسأل ويستشير عن كل شيء عن الطقس والملابس والماركات وطرق التعامل والدراسة وطريقة المعيشة والتكلفة وأماكن الترفيه وعن بعض الأحكام الشرعية والقوانين المحلية
لملم حقيبته واستقل طائرته بعد أن زودته والدته بالكثير من التوصيات والوعود والنصائح والتحذيرات والدعوات الصادقة ... ومصحف مفسر وكتيب حصن المسلم ... وشيء من الحبة السوداء والعسل
هبطت الطائرة في الدولة المبتعث إليها ... كل شيء كان جميلا وميسرا .... فلم يواجه الشاب أية مشكلة نظامية أو ثقافية أو لغوية على غير عادة الكثير من المبتعثين الذين سمع منهم أو سمع عنهم ... استقل الحافلة وتوجه إلى السكن .. ثم نام نوماً عميقاً بعد أن طمأن والدته بسلامة وصوله ....
لم يكن أحمد شاباً مستقيماً ولكنه أيضاً لم يكن سيئاً ... كان محافظاً يؤمن بمبادئه ويدافع عن هويته ... محباً للخير وأهله رغم أن شكله في الظاهر لا يدل على ذلك ، مواظبا على عباداته ... يجتهد في الخير رغم تقصيره .... يعرف أن الخنزير حرام وأن الخمر كبيرة من الكبائر وأن ترك الصلاة كفر وأن تأخيرها عمدا حتى يخرج وقتها كفر وأن مصافحة المرأة الأجنبية لا تجوز ... ويعرف أهمية غص البصر وخطورة النظر ..... يعرف ذلك كله ويؤمن به ويعاهد نفسه ووالدته على ذلك ...
استيقظ أحمد وذهب للمرة الأولى إلى معهد اللغة الإنجليزية لتتم مقابلته واستكمال إجراءات دراسته ... دخل غرفة الإدارة وما هي إلا لحظات حتى دخلت مديرة المعهد تحييه وترحب به وتمد يدها لمصافحته ...!
هنا وعند هذه اللحظة يتوقف المشهد ... المشهد الذي لا أظن أن دارساً أو مبتعثاً إلا ومر بمثله ... هنا وفي مثل هذا الموقف ... تتباين الآراء وتختلف السلوكيات وتتنوع التبريرات وتبرز أو تختفي القيم ... فبين منكرٍ بجفوة وبين مقبل بلا خفية وبين مميع للمسألة وبين معتدل في النظر إليها ...
ذلك الموقف لن يتجاوز ثوان معدودة ... ولكن الزمن يتوقف عنده لتغدو تلك اللحظات كأنها سنوات ... يقلب فيها المرء صفحات القيم وشعارات المبادئ وصدى التربية والثقافة ويستحضر فيها الحكم الشرعي من جهة ... واللباقة والإيتيكيت من جهة أخرى ...
يفكر بعملية حسابية بسيطة ... لا تقبل القسمة على اثنين
هل أكسب رضا الخالق أم المخلوق ...؟! و رغم سهولتها إلا أن هناك من يخطئ في حسبتها
من السهل على غير المجرب أن يقول الأمر بسيط ... يعتذر ويقول لها ديني يمنعني .. وهذا الكلام رغم صحته إلا أنه لا يقدر عليه إلا الأبطال ...
ولكن دعونا ننظر إلى رأي الشرع في ذلك لأني وجدت من يبسط الأمر ويهونه ثم نعرّج على بعض النصائح عندما تقع في مثل هذا الموقف :
سئل فضيلة العلامة ابن باز رحمه الله عن حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه( أي التي ليست من محارمه ) ؟ فأجاب رحمه الله
لا يجوز مصافحة النساء مباشرة أو بحائل
لأن امرأة مدت للنبي صلى الله عليه وسلم يدها لتصافحه فقال: ((إنني لا أصافح النساء))، وقالت عائشة رضي الله عنها: ((والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام)) عليه الصلاة والسلام فلا يجوز للمرأة أن تصافح الرجال من غير محارمها ولا يجوز للرجل أن يصافح النساء من غير محارمه للحديثين المذكورين ولأن ذلك لا تؤمن معه الفتنة.) أ.هـ
وفي الحديث
عن معقل بن يسار يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " . رواه الطبراني
والحديث : قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " صحيح .
وعن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " . رواه مسلم
هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد
وعن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء "
رواه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني
وتحريم مصافحة المرأة قد قال به أئمة المذاهب الأربعة
هذا من جهة العلم بالشيء والتذكير به
ويبقى السؤال بعد أن علمنا الحكم الشرعي ما الطريقة المثلى للتعامل مع المواقف المشابهة :
أولاً : هناك من تلتقي بها بشكل متكرر في الجامعة أو المعهد وفي مثل هذه الحالة أعلن مبادئك من البداية لتعرف عنك وتعرف بها
وقل أن ديني يمنعني واعتذر بلطف وأخبرها إن تيسر لك أن الإسلام يرفع من قدر المرأة ويعلي من شأنها ... فإذا عُرف عنك أنك لا تصافح النساء فإن الجميع سيقدر لك ذلك ( ووالله أني لا أحصي من فعل هذا فخسر بعض علاقاته في البداية ولكنه بثباته على قيمه وحسن تعامله كسبهم جميعا في النهاية حتى والله بكوا لفراقه وتواصلوا معه بعد انقطاعه ) وكان ذلك سببا في دعوتهم وتعريفهم بالإسلام
وقد قال تعالى :
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
وقال عليه السلام : (من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، رواه ابن حبان في صحيحه
إذن أعلن مبادئك في البداية حتى يعرفها الجميع
ولكن هناك من تلتقي به أول مرة ولا يعرف عنك ذلك ... وبالتالي أنصحك بأن تشغل يديك بشيء ما ( أمسك بجوالك أو معطفك أو مظلتك ...) أو ضعهما خلف ظهرك
وألا تتواصل بصرياً معه وأن ترحب بالجميع وأنت تنظر إلى الأرض ... فهذه الطريقة تقطع جسور التواصل بين المتحدثين
ولكن إذا لم تفهم تلك التلميحات ومدت المرأة يدها ..! فأنت كما قال الشاعر
إذا لم يكن غير الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فاعتذر عن مصافحتها وتأسف منها ورحب بها ... وثق تماماً أنهم سينسونك سواء سلمت أم لم تسلم ...! ولكن تذكر أن صحائف أعمالك لن تنسى و أن الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
ولكن إذا كان الموقف أصعب من إرادتك واضطررت إلى المصافحة فاعلم أن ما فعلته خطأ لا يستهان به وأن الذنوب يغفرها الله بالتوبة النصوح ... فتب إلى ربك ، توضأ لتتساقط ذنوبك مع قطرات وضوئك ، تسوّك بمسواك إن وجدت فهو مرضاة للرب وصل ركعتين وتصدق فالصدقة تطفئ غضب الرب ، لتبدأ من جديد لأن جدار القيم والمبادئ لا يكسر بضربة واحدة ولكنه يثقب بوخزات صغيرة فلا تستهن بها وتصدى لها
اللهم أحفظ شبابنا وفتياتنا وبلغهم خير ما يريدون وفوق ما يرجون وأقر أعيننا وأعين أهليهم بالفلاح والنجاح لهم وأعدهم لديارهم سالمين موفقين ... وأعنّا على أن نقدر لهم ما بذلوه وأن ننزلهم منازلهم التي يستحقونها ... دمتم في رعاية الله
مما أعجبني وراق لي
بدأ يسأل ويستشير عن كل شيء عن الطقس والملابس والماركات وطرق التعامل والدراسة وطريقة المعيشة والتكلفة وأماكن الترفيه وعن بعض الأحكام الشرعية والقوانين المحلية
لملم حقيبته واستقل طائرته بعد أن زودته والدته بالكثير من التوصيات والوعود والنصائح والتحذيرات والدعوات الصادقة ... ومصحف مفسر وكتيب حصن المسلم ... وشيء من الحبة السوداء والعسل
هبطت الطائرة في الدولة المبتعث إليها ... كل شيء كان جميلا وميسرا .... فلم يواجه الشاب أية مشكلة نظامية أو ثقافية أو لغوية على غير عادة الكثير من المبتعثين الذين سمع منهم أو سمع عنهم ... استقل الحافلة وتوجه إلى السكن .. ثم نام نوماً عميقاً بعد أن طمأن والدته بسلامة وصوله ....
لم يكن أحمد شاباً مستقيماً ولكنه أيضاً لم يكن سيئاً ... كان محافظاً يؤمن بمبادئه ويدافع عن هويته ... محباً للخير وأهله رغم أن شكله في الظاهر لا يدل على ذلك ، مواظبا على عباداته ... يجتهد في الخير رغم تقصيره .... يعرف أن الخنزير حرام وأن الخمر كبيرة من الكبائر وأن ترك الصلاة كفر وأن تأخيرها عمدا حتى يخرج وقتها كفر وأن مصافحة المرأة الأجنبية لا تجوز ... ويعرف أهمية غص البصر وخطورة النظر ..... يعرف ذلك كله ويؤمن به ويعاهد نفسه ووالدته على ذلك ...
استيقظ أحمد وذهب للمرة الأولى إلى معهد اللغة الإنجليزية لتتم مقابلته واستكمال إجراءات دراسته ... دخل غرفة الإدارة وما هي إلا لحظات حتى دخلت مديرة المعهد تحييه وترحب به وتمد يدها لمصافحته ...!
هنا وعند هذه اللحظة يتوقف المشهد ... المشهد الذي لا أظن أن دارساً أو مبتعثاً إلا ومر بمثله ... هنا وفي مثل هذا الموقف ... تتباين الآراء وتختلف السلوكيات وتتنوع التبريرات وتبرز أو تختفي القيم ... فبين منكرٍ بجفوة وبين مقبل بلا خفية وبين مميع للمسألة وبين معتدل في النظر إليها ...
ذلك الموقف لن يتجاوز ثوان معدودة ... ولكن الزمن يتوقف عنده لتغدو تلك اللحظات كأنها سنوات ... يقلب فيها المرء صفحات القيم وشعارات المبادئ وصدى التربية والثقافة ويستحضر فيها الحكم الشرعي من جهة ... واللباقة والإيتيكيت من جهة أخرى ...
يفكر بعملية حسابية بسيطة ... لا تقبل القسمة على اثنين
هل أكسب رضا الخالق أم المخلوق ...؟! و رغم سهولتها إلا أن هناك من يخطئ في حسبتها
من السهل على غير المجرب أن يقول الأمر بسيط ... يعتذر ويقول لها ديني يمنعني .. وهذا الكلام رغم صحته إلا أنه لا يقدر عليه إلا الأبطال ...
ولكن دعونا ننظر إلى رأي الشرع في ذلك لأني وجدت من يبسط الأمر ويهونه ثم نعرّج على بعض النصائح عندما تقع في مثل هذا الموقف :
سئل فضيلة العلامة ابن باز رحمه الله عن حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه( أي التي ليست من محارمه ) ؟ فأجاب رحمه الله
لا يجوز مصافحة النساء مباشرة أو بحائل
لأن امرأة مدت للنبي صلى الله عليه وسلم يدها لتصافحه فقال: ((إنني لا أصافح النساء))، وقالت عائشة رضي الله عنها: ((والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام)) عليه الصلاة والسلام فلا يجوز للمرأة أن تصافح الرجال من غير محارمها ولا يجوز للرجل أن يصافح النساء من غير محارمه للحديثين المذكورين ولأن ذلك لا تؤمن معه الفتنة.) أ.هـ
وفي الحديث
عن معقل بن يسار يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " . رواه الطبراني
والحديث : قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " صحيح .
وعن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " . رواه مسلم
هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد
وعن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء "
رواه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني
وتحريم مصافحة المرأة قد قال به أئمة المذاهب الأربعة
هذا من جهة العلم بالشيء والتذكير به
ويبقى السؤال بعد أن علمنا الحكم الشرعي ما الطريقة المثلى للتعامل مع المواقف المشابهة :
أولاً : هناك من تلتقي بها بشكل متكرر في الجامعة أو المعهد وفي مثل هذه الحالة أعلن مبادئك من البداية لتعرف عنك وتعرف بها
وقل أن ديني يمنعني واعتذر بلطف وأخبرها إن تيسر لك أن الإسلام يرفع من قدر المرأة ويعلي من شأنها ... فإذا عُرف عنك أنك لا تصافح النساء فإن الجميع سيقدر لك ذلك ( ووالله أني لا أحصي من فعل هذا فخسر بعض علاقاته في البداية ولكنه بثباته على قيمه وحسن تعامله كسبهم جميعا في النهاية حتى والله بكوا لفراقه وتواصلوا معه بعد انقطاعه ) وكان ذلك سببا في دعوتهم وتعريفهم بالإسلام
وقد قال تعالى :
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
وقال عليه السلام : (من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، رواه ابن حبان في صحيحه
إذن أعلن مبادئك في البداية حتى يعرفها الجميع
ولكن هناك من تلتقي به أول مرة ولا يعرف عنك ذلك ... وبالتالي أنصحك بأن تشغل يديك بشيء ما ( أمسك بجوالك أو معطفك أو مظلتك ...) أو ضعهما خلف ظهرك
وألا تتواصل بصرياً معه وأن ترحب بالجميع وأنت تنظر إلى الأرض ... فهذه الطريقة تقطع جسور التواصل بين المتحدثين
ولكن إذا لم تفهم تلك التلميحات ومدت المرأة يدها ..! فأنت كما قال الشاعر
إذا لم يكن غير الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فاعتذر عن مصافحتها وتأسف منها ورحب بها ... وثق تماماً أنهم سينسونك سواء سلمت أم لم تسلم ...! ولكن تذكر أن صحائف أعمالك لن تنسى و أن الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
ولكن إذا كان الموقف أصعب من إرادتك واضطررت إلى المصافحة فاعلم أن ما فعلته خطأ لا يستهان به وأن الذنوب يغفرها الله بالتوبة النصوح ... فتب إلى ربك ، توضأ لتتساقط ذنوبك مع قطرات وضوئك ، تسوّك بمسواك إن وجدت فهو مرضاة للرب وصل ركعتين وتصدق فالصدقة تطفئ غضب الرب ، لتبدأ من جديد لأن جدار القيم والمبادئ لا يكسر بضربة واحدة ولكنه يثقب بوخزات صغيرة فلا تستهن بها وتصدى لها
اللهم أحفظ شبابنا وفتياتنا وبلغهم خير ما يريدون وفوق ما يرجون وأقر أعيننا وأعين أهليهم بالفلاح والنجاح لهم وأعدهم لديارهم سالمين موفقين ... وأعنّا على أن نقدر لهم ما بذلوه وأن ننزلهم منازلهم التي يستحقونها ... دمتم في رعاية الله
مما أعجبني وراق لي