استيقظ من نومه مثقل الرأس، مشغول البال، كسلان البدن،صال بعينيه و جال في الأفق لتلامس نظراته السقف
هناك بدأ يرجع إليه تفكيره شيئا فشيئا، تفكير "عشعشت" فيه أحلام ما وراء البحار.
الجسد هنا و الروح هناك خلف البحر حيث النساء الشقر الحسناوات و التحرر المطلوق على عواهنه دون قيد أو شرط.
بالنسبة لشاب مثقف مثله هذه الأفكار دخيلة عليه، لم يكن ليغرى بها لولا ذلك اليوم المشؤوم الذي قدر له
أن
يحتسي فيه فنجان قهوى مع أحد المهووسين بفكرة السفر إلى بلاد الغرب بل
تعدى الهوس به إلى نقل مرضه لغيره. لا أدري ماذا قال له بالضبط و كيف
استطاع أن يغسل دماغه، إلا أنه أغراه بالرفاهيةو متعة العيش هناك.
لقد كان ملتزما و ما يزال يصلي إلى حد الساعة قبل أن تسوقه الأقدار إلى حلمه المشؤوم.
خاطب
نفسه قائلا: إسماعيل عله يفيق أو تتركه أحلامه ليشرب كأس شاي أو فجان قهوى
مما أعدته الوالدة المسكينة التي لم تعد تفهم ما يجري أمامها و أي سلطة
خفية تتحكم في ابنها العزيز.
تركته الأحلام قليلا لكي يقوم ويغسل وجهه ويتناول فطوره.
الساعة تشير إلى وقت متأخر بالنسبة لشخص مستيقظ من النوم إنها الواحدة بعد الظهر.
سرعان ما عاودته الهواجس لتجعله مشمئزا من جسده الذي يوجد داخل الوطن في نفس الوقت تواقا ليلحق بروحه التي توجد في الخارج.
أخيرا خرج لكي تصطدم به النسمات العليلة خارج البيت لتمسح عنه بعضا من خموله. خمول لم يعهده فقد
كان نشيطا و استطاع أن يحصل على الشهادة الجامعية بامتياز. كانت حينها جميع أحلامه في وطنه و داخله لا تتجاوز الحدود. كان يحلم بوظيفة أو عمل حر
و بيت فيه زوجة حنون ليستقر ماديا و عاطفيا. تغيرت أحلامه بمجرد أن جلس في ذلك اليوم في المقهى مع ذلك الصديق.
توجه بخطى مثقلة إلى مكان يتواجد فيه شخص لا يعرفه ممن له علاقات بمن يقومون بترحيل المهاجرين السريين و قد دله عليه أحد معارفه.
- السلام عليكم ( ألقى التحية و كله أمل أن يجد ضالته
- و عليكم السلام (ردها عليه
رجل ذو ملامح مشبوهة و هو يتفحصه من رأسه حتى أخمص قدميه)
أخبره قائلا:
- لقد أتيت إليك من قبل فلان
- تبسم بسمة ماكرة ممزوجة
بفرح هو الفرح الذي يعتري الجشعين عندما يحسون باقتراب امتلاك المال بل بامتلاكه.
خاطبه قائلا:
- أهلا، تفضل بالجلوس
و
بعد أخذ و اد اتفقا على المبلغ و الزمان و المكان و أخبره أنهم سوف يشقون
طريقهم من المغرب باتجاه ليبيا ثم بعد ذلك من ليبيا إلى إيطاليا مباشرة.
أتى الموعد بسرعة رغم انه مر طويلا على إسماعيل الذي كان يحلم كل يوم و يبالغ في احلامه.
استطاع الحصول على المبلغ ودع أهله و امه التي عجزت عن إقناعه بالتراجع و التي ما
كانت تطيق ان يغادرها فلدة كبدها إلى المجهول، إلى مكان محفوف بالمخاطر،
قاومت دموعها و هي تودعه احتضنته قبلته عجزت عن الكلام اللهم إلا عبارة لم تستطع كتمها:
- رافقتك السلامة بني، اعتن بنفسك و لا تنسى أن تتصل بنا لنطمئن عليك
اجاب و عينه مدفونة في الأرض:
- حاضر
انصرف و عادت هي إلى غرفتها لتتساقط دموعها غزيرة على خديها الحنونين.
و كان ما كان و استطاع أن يطأ بقدمه موطن روحه بعدما تضاربت الأنباء عن غرق
عَبَّارَةٍ كانت تُقِلُّ مهاجرين سريين من ليبيا باتجاه إيطاليا و هو ما
أثر على الأهل خصوصا الوالدة لكن الله قدر و لطف.
- ألو (قال مخاطبا أمه التي رفعت السماعة
ردت الأم بعد ان قامت فزعة و كل الهواجس في رأسها قالت بعدما سمعت صوته
و عرفته و ما كان لها أن تنساه:
ولدي إسماعيل حبيبي طمئني عليك
قال و هو يهدئ من روع أمه:
- إهدئي يا أمي أنا الآن أكلمك من بلدة في إيطاليا، لقد وصلنا أماه.
- الحمد لله على سلامتك بني قالتها و هي تمسح عن خديها بعض العبرات.
مرت عليه أيام عصيبة فسرعان ما نفذ ما معه من المال قبل أن يجد عملا كان عليه خلال ذلك أن يتدبر أمر
الطعام و المبيت فرارا من أهوال الليل، كان يطرق الأبواب ليأكل
و يستعطف الغربيين ليسمحوا له بالمبيت في الإسطبل مع الحيوانات.
لقد
أصبح ارضا خصبة لتراوده الشياطين من بني البشر و تجار المخدرات، نعم صار
يتاجر في المخدرات و يتعاطاها و يعاقر الخمر و يعاشر النساء.
متعة لم تدم طويلا فقد تم القبض عليه متلبسا لتوجه إليه تهمة الاتجار بالمخدرات
و ليقضي زمنا من عمره الفتي خلف القضبان و يصبح هاربا بعد خروجه من السجن، فالقانون يمنعه من البقاء في تلك الديار بعد جنحته تلك.
أعلم أن هناك من حدث معه مثل ما حدث مع إسماعيل ممن ترك الزوجة و الأبناء لا حيلة لهم و لا طاقة لتدبر مصاريف العيش و تكاليفه.
أرجو ممن قرأ هاته الحكاية أن يتفطن لما يدور حوله أولا عليه أن يحذر من عدوى الأفكار المسمومة التي
يروج لها بعض ضعاف القلوب كما فُعل ببطل قصتنا إسماعيل و أن لا يغتر بكلام هؤلاء.
بإمكاننا
أن نسافر بطريقة شرعية و نجرب حظوظنا هناك على الأقل نكون بكرامتنا، أما
كمهاجرين سريين فإن السوء يزيد سوءا و إن المصير تجارة في المخدرات، انحراف
في الأخلاق و تهدم
في القيم و المبادئ و سجن و تشردم و ضياع مستقبل دنيوي أما الأخروي فامره إلى الله إما يعذبهم و إما يتوب عليهم.
و لمن يتشبث بوطنه أقول:
هكذا فلنكن و لنخدم بلدنا دون أن ننتظر منه أن يعطينا شيئا فــــ
" حب الأوطان من الإيمان"
هناك بدأ يرجع إليه تفكيره شيئا فشيئا، تفكير "عشعشت" فيه أحلام ما وراء البحار.
الجسد هنا و الروح هناك خلف البحر حيث النساء الشقر الحسناوات و التحرر المطلوق على عواهنه دون قيد أو شرط.
بالنسبة لشاب مثقف مثله هذه الأفكار دخيلة عليه، لم يكن ليغرى بها لولا ذلك اليوم المشؤوم الذي قدر له
أن
يحتسي فيه فنجان قهوى مع أحد المهووسين بفكرة السفر إلى بلاد الغرب بل
تعدى الهوس به إلى نقل مرضه لغيره. لا أدري ماذا قال له بالضبط و كيف
استطاع أن يغسل دماغه، إلا أنه أغراه بالرفاهيةو متعة العيش هناك.
لقد كان ملتزما و ما يزال يصلي إلى حد الساعة قبل أن تسوقه الأقدار إلى حلمه المشؤوم.
خاطب
نفسه قائلا: إسماعيل عله يفيق أو تتركه أحلامه ليشرب كأس شاي أو فجان قهوى
مما أعدته الوالدة المسكينة التي لم تعد تفهم ما يجري أمامها و أي سلطة
خفية تتحكم في ابنها العزيز.
تركته الأحلام قليلا لكي يقوم ويغسل وجهه ويتناول فطوره.
الساعة تشير إلى وقت متأخر بالنسبة لشخص مستيقظ من النوم إنها الواحدة بعد الظهر.
سرعان ما عاودته الهواجس لتجعله مشمئزا من جسده الذي يوجد داخل الوطن في نفس الوقت تواقا ليلحق بروحه التي توجد في الخارج.
أخيرا خرج لكي تصطدم به النسمات العليلة خارج البيت لتمسح عنه بعضا من خموله. خمول لم يعهده فقد
كان نشيطا و استطاع أن يحصل على الشهادة الجامعية بامتياز. كانت حينها جميع أحلامه في وطنه و داخله لا تتجاوز الحدود. كان يحلم بوظيفة أو عمل حر
و بيت فيه زوجة حنون ليستقر ماديا و عاطفيا. تغيرت أحلامه بمجرد أن جلس في ذلك اليوم في المقهى مع ذلك الصديق.
توجه بخطى مثقلة إلى مكان يتواجد فيه شخص لا يعرفه ممن له علاقات بمن يقومون بترحيل المهاجرين السريين و قد دله عليه أحد معارفه.
- السلام عليكم ( ألقى التحية و كله أمل أن يجد ضالته
- و عليكم السلام (ردها عليه
رجل ذو ملامح مشبوهة و هو يتفحصه من رأسه حتى أخمص قدميه)
أخبره قائلا:
- لقد أتيت إليك من قبل فلان
- تبسم بسمة ماكرة ممزوجة
بفرح هو الفرح الذي يعتري الجشعين عندما يحسون باقتراب امتلاك المال بل بامتلاكه.
خاطبه قائلا:
- أهلا، تفضل بالجلوس
و
بعد أخذ و اد اتفقا على المبلغ و الزمان و المكان و أخبره أنهم سوف يشقون
طريقهم من المغرب باتجاه ليبيا ثم بعد ذلك من ليبيا إلى إيطاليا مباشرة.
أتى الموعد بسرعة رغم انه مر طويلا على إسماعيل الذي كان يحلم كل يوم و يبالغ في احلامه.
استطاع الحصول على المبلغ ودع أهله و امه التي عجزت عن إقناعه بالتراجع و التي ما
كانت تطيق ان يغادرها فلدة كبدها إلى المجهول، إلى مكان محفوف بالمخاطر،
قاومت دموعها و هي تودعه احتضنته قبلته عجزت عن الكلام اللهم إلا عبارة لم تستطع كتمها:
- رافقتك السلامة بني، اعتن بنفسك و لا تنسى أن تتصل بنا لنطمئن عليك
اجاب و عينه مدفونة في الأرض:
- حاضر
انصرف و عادت هي إلى غرفتها لتتساقط دموعها غزيرة على خديها الحنونين.
و كان ما كان و استطاع أن يطأ بقدمه موطن روحه بعدما تضاربت الأنباء عن غرق
عَبَّارَةٍ كانت تُقِلُّ مهاجرين سريين من ليبيا باتجاه إيطاليا و هو ما
أثر على الأهل خصوصا الوالدة لكن الله قدر و لطف.
- ألو (قال مخاطبا أمه التي رفعت السماعة
ردت الأم بعد ان قامت فزعة و كل الهواجس في رأسها قالت بعدما سمعت صوته
و عرفته و ما كان لها أن تنساه:
ولدي إسماعيل حبيبي طمئني عليك
قال و هو يهدئ من روع أمه:
- إهدئي يا أمي أنا الآن أكلمك من بلدة في إيطاليا، لقد وصلنا أماه.
- الحمد لله على سلامتك بني قالتها و هي تمسح عن خديها بعض العبرات.
مرت عليه أيام عصيبة فسرعان ما نفذ ما معه من المال قبل أن يجد عملا كان عليه خلال ذلك أن يتدبر أمر
الطعام و المبيت فرارا من أهوال الليل، كان يطرق الأبواب ليأكل
و يستعطف الغربيين ليسمحوا له بالمبيت في الإسطبل مع الحيوانات.
لقد
أصبح ارضا خصبة لتراوده الشياطين من بني البشر و تجار المخدرات، نعم صار
يتاجر في المخدرات و يتعاطاها و يعاقر الخمر و يعاشر النساء.
متعة لم تدم طويلا فقد تم القبض عليه متلبسا لتوجه إليه تهمة الاتجار بالمخدرات
و ليقضي زمنا من عمره الفتي خلف القضبان و يصبح هاربا بعد خروجه من السجن، فالقانون يمنعه من البقاء في تلك الديار بعد جنحته تلك.
أعلم أن هناك من حدث معه مثل ما حدث مع إسماعيل ممن ترك الزوجة و الأبناء لا حيلة لهم و لا طاقة لتدبر مصاريف العيش و تكاليفه.
أرجو ممن قرأ هاته الحكاية أن يتفطن لما يدور حوله أولا عليه أن يحذر من عدوى الأفكار المسمومة التي
يروج لها بعض ضعاف القلوب كما فُعل ببطل قصتنا إسماعيل و أن لا يغتر بكلام هؤلاء.
بإمكاننا
أن نسافر بطريقة شرعية و نجرب حظوظنا هناك على الأقل نكون بكرامتنا، أما
كمهاجرين سريين فإن السوء يزيد سوءا و إن المصير تجارة في المخدرات، انحراف
في الأخلاق و تهدم
في القيم و المبادئ و سجن و تشردم و ضياع مستقبل دنيوي أما الأخروي فامره إلى الله إما يعذبهم و إما يتوب عليهم.
و لمن يتشبث بوطنه أقول:
هكذا فلنكن و لنخدم بلدنا دون أن ننتظر منه أن يعطينا شيئا فــــ
" حب الأوطان من الإيمان"