إن يوم عرفة هو يوم عظيم من أيام الله المباركة , تجتمع فيه الجموع المسلمة من شتى بقاع الأرض يرجون رحمة الله ويطلبون رضوانه , وقد تكبدوا المشاق وقطعوا المسافات البعيدة لعل عتق الله يشملهم , فيتقبل الله منهم مناسكهم ويعودون من ذنوبهم بصفحات بيضاء كم ولدتهم أمهاتهم , وإن هذا الجمع الغفير هو يوم مباهاة يباهي الله به الملائكة , فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار ، من يوم عرفة , وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة , فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " , فكل من استجاب لنداء الحج وقصد البيت الحرام والتزم أوامر الله كان حقا على الله أن لا يرده إلى بلده إلا مغفورا له مطهرا من الذنوب جديد الصفحات كأنه ولد الساعة ولن ينال تلك المرتبة إلا من كان زاده حلال وراحلته حلال وترك الفسوق والجدال في الحج وكل ما يجرح حجه من أقوال وأفعال .
إن يوم عرفة هو يوم عيد من أعياد المسلمين وفيه نزلت آيات تمام هذا الدين قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فهذه الأية نزلت في يوم عرفة فكانت لنا عيدا وفرحا يعود علينا كل سنة , فقد روى البخاري في صحيحه عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال أي آية قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة .
ويسن في هذا اليوم العظيم التكبير من صبح يوم عرفة إلى أخر أيام التشريق وأفضل الدعاء قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير كما ذكر السيوطي في الجامع الصغير .
ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج لما فيه من الفضيلة العظيمة فقد روى السيوطي في الجامع الصغير بسند صحيح عن أبو قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ، و السنة التي بعده، و صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " , فصيام يوم واحد يكتسب فيه المسلم تكفير سنتين من الذنوب وهو جالس في بيته بين أهله , ومن منا لم يذنب وغير محتاج لهذه المغفرة العظيمة , إنها صيام أثنا عشر ساعة , أي نهار يوم واحد فيتحصل من الأجر ما يزيل عن سجلاتك ذنوب سنتين كاملتين ولم يحدد الحديث أي درجة من الذنوب المكفرة , و هل تشمل الكبائر أم أنها محصورة في الصغائر ولكن المسلم يرجوا من الله المغفرة من كل الذنوب صغيرها وكبيرها وهذا اليوم هو يوم المرحمة ويوم العتق من النار .
أما التكبير فهو شعار المسلمين في يوم عرفة كانوا حجاجا أو غير ذلك , وصفة التكبير يوم عرفة أن تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد في كل وقت وخاصة دبر كل صلاة ترددها بصوت مسموع عرفانا وشكرا لله على بلاغ هذا اليوم العظيم .
نسأل الله العظيم أن يتقبل من الحجاج حجهم ومن الصائمين صيامهم ومن المضحين أضاحيهم ومن المستغفرين استغفارهم وأن يتقبل كل قربى تقرب بها كل مسلم إلى ربه , هو الكريم وهو الرحيم وهو المنان ذو العرش العظيم .... والحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس