الإسبال في الثياب
إن التقوى هو لباس المؤمن الحق , وأما ما يستر جسده من ثياب فهي من زينة الحياة الدنيا حتى يتقي بها الحر والبرد ويستر عورته عن أنظار الناس ويتجمل بها عند غيره من الخلق , وقد أمر الله المؤمن أن يتزين ويأخذ زينته إذا قصد المساجد وعلى هذا الأصل فله أن يتزين في أي مكان إن أحتاج لذلك يقول الله عز وجل ( يا بني أدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) الأعراف (26) وقال تعالى ( يا بني أدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) الأعراف (31) , واللباس عند العرب أقله إزار يستر نصفه الأسفل ورداء يستر نصفه الأعلى وعمامة يقي بها رأسه من حر الشمس أو برد الشتاء وحذاء ينتعلها ليحفظ قدمه من الأذى , أما المرأة فعليها أن تستر بدنها كاملا بالثياب وتجر ذيلها من ورائها شبرا أو ذراعا إن شأت ولا يبدوا من بدنها شيء إلا وجهها وكفيها في الصلاة .
ولكن في هذا الزمان أنقلب الأمر فأصبح الرجل يستر بدنه بالكامل ويجر ثوبه في الأرض شبرا والمرأة الفاسدة تكشف إلى أنصاف ساقيها , فقد روى ابن دقيق العيد بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت : أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الإزار : فالمرأة يا رسول الله ؟ قال : ترخي شبرا . قالت أم سلمة : إذن ينكشف عنها . قال : فذراع ، لا تزيد عليه " فلم تقبل تلك الصحابية بأن تجر ثوبها في الأرض شبرا وطلبت الزيادة ولم تطمئن إلا أن يكون ذراعا مخافة أن ينكشف شيئا عن ساقيها عند الحركة.
فهل فهم الناس الحديث بالمقلوب وعكسوا التوجيه النبوي أم هو عناد ومحادة لله و لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهل يعقل أن يجر الرجل ثوبه في الأرض شبرا وتكشف المرأة عورتها إلى ركبتيها ولا يكون ذلك الأمر محادة لله , بلى والله إنها المحادة , روى الألباني في صحيح الجامع بسند صحيح عن عبدالله بن عمر قال : " الإسبال في الإزار و القميص ، و العمامة ، من جر منها شيئا خيلاء ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة " , والخيلاء أن تختال في مشيتك وأنت معجب بنفسك وبما تلبس من ثياب حتى أن من طولها تراها وهي تسحب في الأرض فتزيدك خيلاء وتبخترا وعجبا , وهذا هو خلق المتكبرين المتغطرسين المستعلين الذين يبغضهم الله , ومن تواضع لله رفعه , وذكر البخاري في صحيحه عن أبوهريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا " .
وهناك من الناس من يحب لبس الطويل من الثياب ولا يقصد بذلك المخيلة والتكبر نقول له أرفع ثوبك إلى الكعبين حتى وإن كنت لا تقصد الخيلاء , فقد روى البخاري في صحيحه عن ابوهريرة قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " , فلا يحل للمسلم أن يجعل ثوبه أسفل الكعبين ولو كان في غير مخيلة فإن للمسلم أدبا في لباسه وقدوة في نبيه , ولا يسع المؤمن إلا أن يتبع نبيه ويتأسى به , روى الألباني في مختصر الشمائل عن عبيد بن خالد المحاربي بسند صحيح قال : بينا أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول : " ارفع إزارك فإنه أتقى ، فإذا هو رسول الله ، فقلت : يا رسول الله إنما هي بردة ملحاء ، قال : أما لك في أسوة . فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه " .
إن المؤمن قد حد له الشرع حدودا في لباسه فالأولى الالتزام بها حتى لا يقع في المخيلة ولا يزيد في الرفع على الحد المأمور فيقع في التشدد والتعمق المنهي عنه فكلا الطرفين مذموم والاعتدال أن يكون إزارك بين نصف الساق إلى الكعبين , ذكر الألباني في صحيح الترغيب بسند صحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أزره المؤمن إلى عضلة ساقه ، ثم إلى نصف ساقه ، ثم إلى كعبه ، وما تحت الكعبين من الإزار ففي النار" , وما نراه اليوم في الناس خلاف ما أمرنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا ترى أنصاف الساق بارزة إلا عند النساء ولا ترى جر الثياب إلا عند الرجال إلا من رحم الله وهم قليل , ولم أرى شعبا متمسكا بهذه السنة بين المسلمين بشكل واضح ظاهر جلي للعيان أكثر من الشعب ( اليمني ) فترى غالب الرجال إزارهم إلى نصف الساق أو ما بين نصف الساق إلى ما فوق الكعبين ونسائهم تجر ذيلها شبرا , ولا يعني هذا أن البلاد العربية والإسلامية تخلوا من تطبيق هذه السنة ولكن الشعب اليمني ما زال متمسك بهذه السنة محافظا عليها بين العامة بشكل ظاهر وملحوظ ويأتي بعدهم أبناء الجزيرة العربية .
إن أمر الاستهانة في حدود الإزار بالنسبة للرجل والمرأة هو أمر خطير وتبنى عليه مفاسد , فالرجل إذا جر ثوبه وتبختر أفسد على نفسه قلبه وداخل نفسه الكبر والله لا يحب المستكبرين , روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة , والمنفق سلعته بالحلف الفاجر , والمسبل إزاره ، وفي رواية : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " .
أما الذي يسترخي إزاره من غير تعمد حتى يصيب الأرض ثم يعيد شده من جديد فلا يعد هذا من المسبلين , فقد أشكل هذا على أمير المؤمنين ابو بكر الصديق رضي الله عنه , حيث أنه نحيف الجسم ويسترخي إزاره وهو يمشي من غير أن يشعر ومع ذلك سئل رسول الله خشية الذنب , فقد روى البخاري عن عبدالله بن عمر قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر في الإزار ما ذكر ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، إن إزاري يسقط من أحد شقيه ؟ قال : ( إنك لست منهم ) " .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه فينكر على ما يرى من إسبال ويصلح من شأنهم ولا يقرهم على خطأ وكانوا رضي الله عنهم يمتثلون مباشرة أوامره , روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر قال : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي إزاري استرخاء . فقال ( يا عبدالله ! ارفع إزارك ) فرفعته . ثم قال ( زد ) فزدت . فما زلت أتحراها بعد . فقال بعض القوم : إلى أين ؟ فقال : أنصاف الساقين . فعلم أخي المسلم أن الواجب هو عدم الإسبال في الإزار ويدخل في الإزار البنطال والثوب والبشت والعمامة وكل لباس يجاوز الكعبين حتى لو لم يكن مخيلة .
أما النساء فيجب عليهن ستر أبدانهن وشعورهن ولا يبدين من زينتهن إلا الوجه والكفين في الصلاة فهي جمال المرأة فتحافظ عليه فلا يطلع عليها إلا محارمها , فكيف بالتي تظهر شعرها وساقيها ونحرها وصدرها وظهرها ثم تزعم أنها مسلمة وأنها متسترة , هذا الذي تفعله هو العري وهو المحادة لله ومن تفعل ذلك فهي زانية تدعوا للرذيلة والعياذ بالله ومن أصرت على ذلك بعد الإنكار عليها فهي مرتدة .
على المسلم أن يكون لباسه ومظهره موافقا لأمر الله وأن يدعوا أخوانه الغافلين إلى الالتزام بشرع الله وترك ما نهى الله عنه ورسوله . فالخير في أتباع نهج الرسول والعمل بسنته والالتزام بأمره ......والحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس