عندما تتخلل صحبة شخص من الناس قلبك وتمتزج بروحك، ويستولي بسلطان مودته عليك ، تصير أقواله وأفعاله كلها عندك مرضية ، وعيوبه ونقائصه عنك محجوبة ، فتمسي طوع بنانه ورهن إشارته ، يوجهك حيث يشاء ، ويصرفك عما أراد .
وهذه حالة من أخطر الأحوال عليك ، لأنك فيها قد سلبت تمييزك وخسرت إرادتك ، وصرت آلة في يد غيرك ، فقد ترى الخير وتدعى إليه فيصرفك عنه ، وقد ترى الشر وتحذر منه ويوقعك فيه .
وهب هذا الخليل كان مخلصا لك وحدبا عليك، فإنه غير معصوم من الخطإ والضلال ، أما إذا كان شريرا مفسدا فهنالك الهلاك المحقق والوبال الشديد.
وقد ذكر لنا الله تعالى في الآية ما كان من سوء مآل الظالم بسبب انقياده لخليله واتباعه له عن غير روية وصدق تمييز.
يحذرنا من سلطان الخلة الذي يهمل معه شأن الإرادة والتمييز ، ويعلمنا أن علينا أن نحافظ على إرادتنا وتمييزنا ونظرنا لأنفسنا مع الصديق والعدو، ومع الخليل وغير الخليل ، بل نحافظ عليهما مع الخليل أكثر لأنه مظنة الخوف بما له من المكانة في القلب والسلطان على النفس.
إرشاد:
لما كان خليل المرء بهذه المنزلة فعليك أن تختار من تخال ، فلا تخال إلا من حسنت سريرته واستقامت سيرته ، وغلب الصواب على أقواله وأعماله ، ليكون دليلك إلى الخير وسائقك إليه ، مع محافظتك على إرادتك وتمييزك معه على كل حال .
علامة:
إذا أردت أن تعرف شر خلانك ، وأحقهم بهجرك له وابتعادك عنه، فانظر فيما يرغبك هو فيه ، وما يرغبك عنه.
فإذا وجدته يرغبك عن القرآن وعما جاء به القرآن ، فإياك وإياه ، فتلك أصدق علامة على خبثه وسوء عاقبة قربه ، فابتعد عنه في الدنيا قبل أن تعض على يديك على صحبتك له في الأخرى.
وإذا وجدته يرغبك في القرآن وما جاء به القرآن ، فذلك الخليل الزكي الصادق، فاستمسك به وحافظ عليه.
وإن خلة أسست على الرجوع إلى القرآن ، والتحاب على القرآن ، والتناصح بالقرآن، لخلة نافعة دنيا وأخرى ، لأنها أسست على أساس التقوى.
وقد قال الله تعالى: " الأخلآء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين".
من تفسير بن باديس رحمه الله.