من أجمل اللحظات أن تجتمع مع إخوتك وإخوانك وبقية أفراد الأسرة في محبة
ولطف، ويحيط بكم التقدير والاحترام، وفي قلوبكم سلامة من الحقد والحسد.
ولكن هذه المعاني لا يحبها الشيطان؛ لهذا أخذ على نفسه العهد أن يفسد بين
المجتمعات، ويفرِّق بين الأحبة، ويوقد نار الفتنة في داخل كل أسرة، ولا
يهنأ له بال حتى يطلّق الرجل زوجته، ويقطع الأخ أخته، ويهجر الابن أباه.
ومما يؤسف له أن بعض الناس وقع في شباك الشيطان، وساهم في تحقيق مراده،
وتبنّى فكرته ومنهجه، فتجد الواحد من هؤلاء قاطعًا لرحمه، عاقًّا لوالديه،
هاجرًا لإخوانه.
وقد تمر الشهور بل والسنون وما زال في جحيم القطيعة، والسبب نزغة شيطان عبر
موقف صدر من الطرف الآخر، أو كلمة لسان لم تكن في الحسبان، وبعدها حلّت
المصيبة ووقعت كارثة القطيعة، وامتلأ القلب بالضغينة.
وحينها يرقص الشيطان وينقص الإيمان ويغضب الجبار ولا ترتفع الأعمال، ويقسو القلب وتتقطع الأواصر وتنتشر العداوات.
فيا من وقع في القطيعة، أصلح حالك وحاسب نفسك واجلس لوحدك لتبحث في عيوبك،
ولا تزكي نفسك؛ فالشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم، واعلم أن القطيعة تمحق
بركة العمر وبركة المال، وتجلب لك سخط الجبار ولعنته {فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ
وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23، 24].
واعلم أيها القاطع أن الجزاء من جنس العمل، فمن وصل رَحِمَه وَصَله الله،
ومن قطع رحمه قطعه الله، وسوف تجد قسوةً في قلبك، وتأنيبًا في ضميرك، فكن
شجاعًا لتصل ما قطعت ولتداوي الجروح وتسد الفراغ وتعود المياه لمجاريها،
والأمر يسهل على من صدق، وإذا علم الله صدق نيتك، يسّر كل عسير.
وأقول للطرف الثاني الذي تجرع مرارة القطيعة وذاق ألم الأخطاء من الطرف
الأول: سامح واعفُ، وليكن صدرك واسعًا، وليكن لديك "مقبرة" لتدفن فيها
أخطاء من تحب، وربنا عفوٌّ ويحب منا أن نعفو فيما بيننا.
وقد تكون النفس تريد الانتقام من القاطع والمخطئ، فأقول: لا بد من كسر مراد
النفس وتربيتها على آيات الكتاب العزيز {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، {فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا
هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37].
ومع هذا العفو والسماحة لا مانع من نصيحة صاحب الخطأ بطريقة هادئة وحكيمة لتؤتي ثمارها، وما يدريك لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
وأختم حديثي لك إذا جاءك القاطع نادمًا فافتح قلبك وارمِ بأخطائه وابتسم له
واحتسب أجرك على الله، وسوف تذوق طعمًا غريبًا في قلبك هو نتيجة سلامة
القلب، وجرِّب وسترى