لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثاً ، وهيأ بعثاً ، استعمل عليه قيس بن سعد
بن عبادة ، وعقد له لواء أبيض . ودفع إليه راية سوداء ، وعسكر بناحية قناة
في أربعمائة من المسلمين . وأمره أن يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء
.فقدم على رسول الله رجل منهم ، وعلم بالجيش ، فأتى رسول الله فقال : يا
رسول الله ! جئتك وافداً على من ورائي فاردد الجيش ، وأنا لك بقومي ، فرد
رسول الله قيس بن سعد من صدر قناة ، وخرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول
الله خمسة عشر رجلاً منهم .
فقال سعد بن عبادة : يارسول الله !
ادعهم ينزلوا عليّ ، فنزلوا عليه ، فحياهم وأكرمهم وكساهم ، ثم راح بهم إلى
رسول الله ، فبايعوه على الإسلام ، فقالوا : نحن لك على من وراءنا من
قومنا ، فرجعوا إلى قومهم ، ففشنا فيهم الإسلام ، فوافى رسول الله منهم
مائة رجل في حجة الوداع . ذكر هذا الواقدي عن بعض بني المصطلق .وذكر من
حديث الحارث بن زياد الصدائي ، أنه الذي قدم على رسول الله فقال له : اردد
الجيش وأنا لك بقومي ، فردهم ، قال : قدم وفد قومي عليه ، فقالي لـي : يا
أخا صداء ، إنك لمطاع في قومك ؟ قال : قلت : بل يا رسول الله من الله عز
وجل ومن رسوله ، وكان زياد هذا مع رسول الله في بعض أسفاره ، قال : فاعتشى
رسول الله أي سار ليلاً ، واعتشينا معه ، وكنت رجلاً قويّاً ، قال : فجعل
أصحابة يتفرقون عنه ، ولزمت غرزه ، فلما كان في السحر ، قال : (( ادن يا
أخا صداء )) فأذنت على راحلتي ، ثم سرنا حتى ذهبنا ، فنزل لحاجته ، ثم رجع
.
فقال : (( يا أخا صداء هل معك ماء ؟ ))
قلت : معي شيء في إداوتي ، فقال : (( هاته )) فجئت به ، فقال : (( صب )) ،
فصببت ما في الإداوة في القعب ، فجعل أصحابه يتلاحقون ، ثم وضع كفه على
الإناء ، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عيناً تفور ثم قال : (( يا أخا
صداء لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا )) ، ثم توضأ ، وقال :
(( أذن في أصحابي ، من كان له حاجة بالوضوء فليرد )) قال : فوردوا من
آخرهم ، ثم جاء بلال يقيم فقال : (( إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم ))
، فأقمت ثم تقدم رسول الله فصلى بنا وكنت سألته قبل أن يؤمرني على قومي ،
ويكتب لي بذلك كتاباً ، ففعل ، فلما فرغ من صلاته قام رجل يشتكي من عامله
.فقال : يا رسول الله إنه أخذنا بدخول كانت بيننا وبينه في الجاهلية ، فقال
رسول الله: (( لا خير في الإمارة لرجل مسلم )) ثم قام آخر ، فقال : يا
رسول الله ! أعطني من الصدقة ، فقال رسول الله : (( إن الله لم يكل فسمتها
إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت جزءاً منها
أعطيتك ، وإن كنت غنياً عنها ، فإنما هي صداع في الرأس ، وداء في البطن )) .
فقلت في نفسي : هاتان خصلتان حين سألت
الإمارة ، وأنا رجل مسلم وسألته من الصدقة وأنا غني عنها ، فقلت : يا رسول
الله هذان كتاباك فاقبلهما ، فقال رسول الله: (( ولم ؟ )) فقلت : إني
سمعتك تقول : (( لا خير في الإمارة لرجل مسلم )) وأنا مسلم وسمعتك تقول ((
من سأل من الصدقة )) وهو غني ، فقال رسول الله: (( أما إن الذي قلت كما
قلت )) فقبلهما رسول الله ثم قال لي : دلني على رجل من قومك أستعمله ،
فدللته على رجل منهم ، فاستعمله .قلت : يا رسول الله ! إن لنا بئراً إذا
كان الشتاء ، كفانا ماؤها ، وإذا كان الصيف ، قل علينا فتفرقنا على المياه ،
والإسلام اليوم فينا قليل ، ونحن نخاف فادع الله – عز وجل – في بئرنا فقال
رسول الله : (( ناولني سبع حصيات )) فناولته فعركهن بيده ثم دفعهن إليّ ،
وقال : (( إذا انتهيت إليها ، فألق فيها حصاة حصاة ، وسم الله )) قال :
ففعلت فما أدركنا لها قعراً حتى الساعة .