آخر المهاجرين والمهاجرات
نسب شريف
لقد قيل عن أسماء أنها قد جمعت المجد من أطرافه كلها، فهي
بنت "أبو بكر الصديق" خليل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخليفته في مماته، وأخت "السيدة عائشة" رضي الله عنها
وهي الصحابية العظيمة والزوجة الحبيبة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، وزوجة حواري رسول الله "الزبير بن العوام"، وأم
لصحابي عظيم وهو "عبد الله بن الزبير" رضي الله عنه
وعنهم جميعاً.
خدمة عظيمة ومكافأة أعظم
كان لأسماء دور عظيم أثناء هجرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع أبيها "أبي بكر الصديق"، فقد كانت تعد لهما الطعام
والشراب لتوصله إليهما في غار "حراء"، ولما لم تجد ما
تربطهما به، فكانت تشق نطاقها نصفين، وتربط بأحدهما الطعام
وبالآخر الشراب، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكافئها، فدعا لها أن يبدلها الله نطاقين في الجنة ولذلك سميت "ذات النطاقين".
خير زوجة
إن أسماء بنت أبي بكر خير مثل يجب أن تقتدي به كل بناتنا،
فلقد كانت زوجة عظيمة تحملت مع زوجها الصعاب وصبرت
معه، فلقد تزوجت "أسماء" من "الزبير بن العوام" وكان فقيراً
لا يستطيع أن يأتي لها بخادم، فكانت تقوم بكل شيء بنفسها،
حتى أنها كانت تسوس فرسه بنفسها وتطحن له النوى لعلفه.
حتى أرسل إليها أبو بكر بخادم ليكفيها سياسة الفرس، فقالت: فكأنما أعتقني.
واستمرت على هذا الحال، حتى أوسع الله على زوجها وأصبح من أغنى أغنياء الصحابة.
وقد هاجرت "أسماء" إلى المدينة وكانت في أواخر حملها
بـ"عبد الله"، ولكن هذا لم يمنعها من تحمل مشاق السفر، وما
أن بلغت قباء حتى وضعت مولودها ليكون بذلك أول مولود يولد للمهاجرين في المدينة.
حكمة أم
لا يمكن للتاريخ أن ينسى لأسماء صبرها وحكمتها ورجاحة
عقلها وشدة إيمانها وهي تلقى ابنها اللقاء الأخير، عندما جاء
"عبد الله" يطلب مشورتها في حربه مع بني أمية بقيادة
"الحجاج بن يوسف الثقفي" بعد أن انفضّ أنصاره من حوله
واحتمى هو ومن معه في حمى الكعبة المعظمة، وقد عرض
عليه بنو أمية أن يعطوه ما شاء من الدنيا نظير أن يتخلى عن
الحرب ويبايع "عبد الملك بن مروان" على الخلافة.
فكان ردها عليه أن قالت له: "الشأن شأنك يا عبد الله، وأنت
أعلم بنفسك، فإن كنت تعتقد أنك على حق، فاصبر وجالد كما
صبر أصحابك الذين قُتلوا تحت رايتك، وإن كنت إنما أردت الدنيا
فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك.
فقال: ولكني مقتول اليوم لا محالة.
فقالت: ذلك خير من أن تسلم نفسك للحجاج، فيلعب برأسك غلمان بني أمية
فقال: لست أخشى القتل ولكني أخشى أن يمثلوا بي.
فقالت: ليس بعد القتل ما يخشاه المرء.
فقال لها: بوركت من أم، فوالله ما جئت إليك في هذه الساعة إلا
لأسمع منك ما سمعت، وها أنا ذا ماضٍ إلى ما تحبين، فإذا قتلت
فلا تحزني وسلمي أمرك لله.
قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل. اقترب إليّ يا بني
لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك.
فاقترب منها ليوسعها تقبيلا، وقد أطلقت يدها لتتلمس جسده وتشتم رائحته.
ثم همّ بالقيام وهو يقول لها: لا تبخلي علي بالدعاء يا أمي.
فرفعت يدها إلى السماء تدعو له قائلة:
"اللهم ارحم طول قيامه وشدة نحيبه طول الليل والناس نيام..
اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر المدينة ومكة وهو صائم..
اللهم ارحم بره بأبيه وأمه..
اللهم إني قد سلمته لأمرك.. ورضيت بما قضيت له.. فأثبني عنه خيراً".
ولم يمض اليوم إلا وكان "عبد الله" قد لقي مصرعه، ولحق بجوار ربه.
وقد لحقت به أمه "أسماء" بعد بضعة أيام في السنة الثالثة
والسبعين من الهجرة عن عمر يناهز المائة عام وقيل إنها لم
يسقط لها سن ولا ضرس ولم يغب عقلها، لتكون بذلك آخر
المهاجرين والمهاجرات.
بعد أن عاشت طوال مائة عام تبذل كل ما تستطيع من أجل خدمة الإسلام وإعلاء شأنه
اللهم ألحقنا بالصالحين والصالحات
تحية من القلب لكم