الحل؟
قامت قوى مختلفة بعسكرة الثورة بعد استمرار الطاغية في قتل
المتظاهرين الذين خرجوا مطالبين بالإصلاح الحقيقي منادين "سلمية سلمية"..
"واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد"... ثم تركوا الثوار ليجابهوا قوات
الأسد ثم حلفاء الأسد لوحدهم..
هل تتحمل المسؤولية قنوات الجزيرة
والعربية التي بدأت مؤخراً بتضخيم انتصارات الأسد والمساهمة في الحرب
النفسية لجر... الثوار إلى جنيف؟ أم تتحملها دول الخليج التي
دعمت الثوار في البداية بالمال والسلاح، بعد أن فقدت الأمل في إقناع
الطاغية بعدم جدوى الحل الأمني، ثم تراجعت تحت الضغط الأمريكي وتلويحه
بالعقوبات فيما إذا ثبت تورطها ولو عن غير قصد، بدعم منظمات صنفتها أمريكا
والأمم المتحدة بأنها إرهابية؟ هل من المعقول مثلاً أن تتوقف الحملة
القطرية لإغاثة سوريا عن توزيع السلات الغذائية لشعبنا المحاصر وهم الذين
كانوا الأكثر دعماً لثورتنا؟
أم يتحملها أردوغان الذي قال "لن
نسمح بحماة أخرى في حلب" ثم اكتشف أنه لا يستطيع أن يخوض حرباً إقليمية
بمفرده؟
أم أنه أوباما الذي قال بأن استعمال الصواريخ
الباليستيكية والفراغية والنابالم ضد المدنيين أو السلاح الكيميائي خط
أحمر، ثم تراجع بعد ذلك مدعياً أنه لا يمكن تحديد من استعمل الكيمياوي وكأن
الثوار هم من يتحكم بهذا السلاح؟ ثم قال على الأسد أن يرحل ثم تراجع ليقول
لن يكون الأسد ضمن الحكومة المستقبلية (ولكنه يبقى كرئيس منتخب!؟).
أم أنها روسيا التي عاد زعماؤها لاحتلال مكانهم بين القوى العظمى بعد أن
تم تهميشهم في السنوات الماضية، والتي ينادي زعماؤها الذين كانوا رجال
مخابرات الكي. جي. بي يقتلون أعداءهم بأيديهم ومسدساتهم: يجب عدم استخدام
الأدلة المتعلقة باستخدام الطاغية للسيرين كحجة للإطاحة به!
أم
أنها المعارضة السياسية التي سمحت للداعمين الخارجيين بأجنداتهم المتضاربة
بشراء الولاء لهم والتلاعب بهم ثم اتهمتهم بأنهم منقسمين وغير جاهزين للحل
السياسي؟
هذه المعارضة التي تضع مصلحتها الشخصية أو الحزبية أو
المناطقية فوق كل اعتبار، بما فيها قادة الإخوان المسنين في العمر
والمنفصلين عن الواقع، والذين يعملون على تسييس العمل الإغاثي ولا يستوعبون
خوف دول الخليج من تسلمهم لذمام الأمور بعد رحيل الطاغية، كما حصل في مصر،
وبرنامجهم لتصدير فكرهم التكفيري وطموحهم للسلطة بأي ثمن، إليها؟
أم أنهم الثوار الذين لا ينسقون مع بعضهم بعضاً ويقوم بعض منهم وأشدد على
"بعض منهم" بتخزين السلاح لاستعماله في مرحلة ما بعد سقوط النظام وهو أمر
خطير ومقلق، ويرفضون الإنصياع تحت قيادة أركان موحدة يمكن للدول الصديقة أن
تدعمها...
أم أنه اليمين الإسرائيلي المتطرف والأرعن والذي اعترف
زعماء جيشه ومخابراته بخشيته من رحيل شريكه في حكم سوريا، والذي يسعى إلى
استبدال استحقاق دولة الحرية والديمقراطية والإسلام الحضاري والتقدم
الإقتصادي كالذي حصل في تركيا وماليزيا، بدولة منقسمة وفاشلة تشبه
أفغانستان والصومال والعراق، تكون أرضها مسرحاً لحرب طائفية مدمرة لجميع
أعدائها غير عابئ بالمخاطر المستقبلية على القوى التي ترغب بسلام عادل؟
أم أنه الشعب السوري الذي صدق بأن الضباط العلويين سيثورون ضد عائلة
الأسد التي سرقت الطائفة والذي يقتل إخوانهم في الوطن، والذي صدق بسذاجة
وعود كل هؤلاء "الأعدقاء" برغبتهم باستبدال الحكم الديكتاتوري
بالديمقراطية، وسمح للمجرمين والإنتهازيين والمخبرين والفاسدين والمجاهدين
الأجانب بسرقة ثورته؟
أم أنه الإعلام الغربي المتعاطف مع إسرائيل
والذي يستمر بحملته الممنهجة لدمغ المسلمين بالإرهاب، ثم التركيز على أخطاء
الثوار الفردية كقطع الرؤوس أو التفجيرات أو أكل الأحشاء بدلاً من التركيز
على المذابح والمقابر الجماعية التي ترتكبها مافيا الأسد وتعذيب وقتل
المعتقلين والأطباء ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال والغزو الخارجي
لمسلحي حزب الشيطان والمالكي وإيران لسوريا ولسان حال الغرب "فخار يكسر
بعضه"؟ ويغطي على سكوته بتصوير الثورة على أنها حرب أهلية وعلى أن الثوار
مرتبطين بالقاعدة!
سياسة أمريكا التاريخية معروفة بالمحافظة على
الفزاعة الإيرانية في المنطقة لضمان ولاء عرب الخليج لها و "إعتدالهم" تجاه
إسرائيل، وإجبارهم على تخصيص ثلث ميزانيتهم لشراء أسلحة متطورة لا يعرفون
في بعض الأحيان كيف يستخدمونها بدون معونة الخبراء الأجانب، هذا إن سمح لهم
باستخدامها أصلاً، للحد من برامجهم الطموحة لتطوير إمكانات شعوبهم البشرية
ومكافحة البطالة والإعتماد على الوافدين، بعد ازدياد أهمية هذه الفزاعة و
فائدتها في مواجهة موجة التغيير والربيع العربي.
شعبنا المنكوب
مصمم على استعادة حريته و كرامته كما فعل إخواننا في الجزائر وكما فعل
أجدادنا ضد الفرنسيين الأكثر تسليحاً.. وهو يحارب نيابة عن دول الخليج،
المشروع الفارسي في المنطقة، ويستحق دعماً أقوى من حكامها، وخاصة من
السعودية حيث يقف الملك ونائبه وشعبهما معنا بقلبهم ومشاعرهم وتوجيهاتهم،
ولكنهم محاطين ببطانة متخبطة ومهترئة صحياً وبطيئة جداً في صناعة القرار أو
غير صادقة لسياسة ملكها أطال الله عمره، والذي يتعافى من جراحته في
استراحته بالمغرب.
نجح الثوار بتصنيع العبوات الناسفة والهاون
ولكنهم لا يستطيعون تصنيع ذخيرة الكلاشنكوف ولا الحصول على مضادات دروع ولا
غذاء أو دواء كاف بدون مساعدة أهلهم في الخليج. شبح الإسهالات والتيفوئيد
والجرب والتهاب الكبد الإنتاني يهدد مع قدوم الصيف بالفتك بمن تبقى من
أطفال شعبنا البطل والذي سيخسر إن نجى من الأوبأة، سنة مدرسية ثالثة.
لنحذف اليأس من نفوسنا لأننا شعب عظيم يؤمن بأن النصر سيأتي من عند الله
وليس من أمريكا أو "أعدقاء سوريا" وبأن الشعب الذي حمل السلاح ضد الطاغية
لن يتراجع مهما طبخ له السياسيون الفاسدون وحلفاء الطاغية، من أكل فاسد في
جنيف وسيجبر العالم على إعادة حساباته ولو بعد حين.
لدينا مخزون
هائل من الثوار الذين سينضمون للعمل المسلح للدفاع عن النفس تحت أية قيادة
تؤمن لهم المال والسلاح... إنني على تواصل مستمر مع أطباء الداخل وهم قد
عقدوا العزم على المضي في ثورتهم حتى النصر ولن يجرؤ أي وفد سياسي في جنيف
على قبول أية تسوية تقبل ببقاء الطاغية أو أجهزته الأمنية.
نأمل
أن ينجح اللواء إدريس بإقناع الداعمين برفع وتيرة الدعم لتجنيب المنطقة من
صوملة سوريا ذات الموقع الجغرافي الحساس، وللتخلص من نظام طائفي خائن ومجرم
في طريقه المحتوم للإنقراض مهما طال الزمن ومهما عظمت التضحيات.