إذا جاهد المسلم في سبيل الله؛ فإنه يجعل نيته هي الدفاع عن دينه، وإعلاء كلمة الله، والدفاع عن بلاده وعن المسلمين، ولا يحارب من أجل أن يقول الناس إنه بطل وشجاع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا نبي الله، إني أقف مواقف أبتغي وجه الله، وأحب أن يرَى موطني (أي: يعرف الناس شجاعتي). فلم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}.
[الكهف: 110].
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر (يشتهر بين الناس)، والرجل يقاتل ليرَى مكانه (شجاعته)، فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
جزاء المخلصين:
المسلم المخلص يبتعد عنه الشيطان، ولا يوسوس له؛ لأن الله قد حفظ المؤمنين المخلصين من الشيطان، ونجد ذلك فيما حكاه القرآن الكريم على لسان الشيطان: {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 39-40]. وقد قال الله تعالى في ثواب المخلصين وجزائهم في الآخرة: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا} [النساء: 146].
الـريـاء:
هو أن ينشط المرء في عمل الخيرات إذا كان أمام الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويجتهد إذا أثنى عليه الناس، وينقص من العمل إذا ذمه أحد، وقد ذكر الله صفات هؤلاء المرائين المنافقين، ف: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى . يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142].
فالرياء صفة من صفات المنافقين، والمسلم أبعد ما يكون عن النفاق، فهو يخلص قلبه ونيته دائمًا لله، قـال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) [مسلم].
الرياء شرك بالله:
المسلم لا يرائي؛ لأن الرياء شرك بالله -سبحانه-، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أَخْوَفَ ما أتخوَّف على أمتي الإشراك بالله، أما إني لستُ أقول: يعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا وَثَنًا، ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية) [ابن ماجه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (الرياء، يقول
الله -عز وجل- يوم القيامة -إذا جزي الناس بأعمالهم-: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً؟) [أحمد].
وهكذا.. لا يأخذ المرائي جزاءً على عمله؛ لأنه أراد بعمله الحصول على رضا الناس ومدحهم والمكانة بينهم، فليس له من أجرٍ يوم القيامة.
المرائي في النار:
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه في إحدى الغزوات أن فلانًا سيدخل النار، وكان فلان هذا يقاتل مع المسلمين، فتعجب الصحابة، وراقبوا الرجل ليعرفوا حاله؛ فوجدوه يقاتل قتالا شديدًا؛ فازداد عجب الصحابة، ولكن بعد قليل حدث أمر عجيب؛ فقد جُرح هذا الرجل؛ فأخذ سيفه، وطعن به نفسه؛ فقال له بعض الصحابة: ويلك! أتقتل نفسك، وقد كنت تقاتل قتالا شديدًا؟ فقال الرجل: إنما كنتُ أقاتل حميةً (عزة للنَّفْس)، وليرى الناس شجاعتي، ثم مات الرجل، وصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المرائين أول الناس عذابًا يوم القيامة؛ فأول ثلاثة يدخلون النار: عالم، وقارئ للقرآن، وشهيد؛ لأنهم كانوا لا يخلصون أعمالهم لله، ولا يبتغون بها وجهه.
الرياء يبْطِلُ العبادات:
إذا أدَّى الإنسان عبادته، وليس فيها إخلاص لله، فإنه لا يأخذ عليها أجرًا ولا ثوابًا، بل عليه الوزر والعقاب؛ لأنه لم يخلص لله رب العالمين. قال الله -تعالى-: {فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون . ويمنعون الماعون} [الماعون: 4-7].
والذين يتصدقون، ولكن يمُنُّون بأعمالهم، ولا يخلصون فيها لله، فإنهم لا يأخذون على صدقتهم أجرًا من الله، وتصبح مثل الأرض الصلبة التي لا تخرج زرعًا كما وصف القرآن الكريم المرائي بقوله تعالى: {فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا لا يقدرون على شيء مما كسبوا} [البقرة: 264].
كما جعل الله -عز وجل- عبادة المرائين عديمة الفائدة لهم، يقول تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا} [الفرقان: 23].