الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبد الله وآله وصحبهِ أجمعين.
أما بعد ..
أيها الأحبة في الله
إن الطاعات تتفاضل عند الله بتضمنها تحقيق العبودية لله والتوحيد له، وعموم نفعها للخلق مثل أركان الإسلام ونحوها. وإن الذنوب والمعاصي تعظم عقوباتها ويتسع شرها وفسادها بحسب ضررها لصاحبها وللخلق.
وإن الظلم من الذنوب العظام ، والكبائر الجسام يحيط بصاحبه ويدمره ، ويفسد عليه أمره ، ويغير عليه أحواله ، ويدركه شؤمه وعقوباته في الدنيا والآخرة.
ولأجل كثرة مضار الظلم وعظيم خطره ، وتنوع مفاسده ، وكبير شره ؛ لأجل ذلك حرمه الله بين عباده.
فقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظّالموا). فالله حرم الظلم على نفسه وهو يقدر عليه تكرماً وتفضلاً وتنـزيها لنفسه عن نقيصة الظلم ، فإن الظلم لا يكون إلا من نفس ضعيفة لا تقوى على الامتناع عن الظلم.ولا يكون الظلم إلا من حاجة إليه ، ولا يكون إلا من جهل به ، والله جل وعلا منـزه عن ذلك كله ، فهو القوي العزيز الغني عن خلقه، فلا يحتاج إلى شيء، وهو العليم بكل شيء. وحرم الله الظلم بين عباده ليحفظوا بذلك دينهم ويحفظوا دنياهم، وليصلحوا بترك الظلم آخرتهم وليتم بين العباد التعاون والتراحم بترك الظلم، وليؤدوا الحقوق لله وللخلق.
الظلم ينبذ الفرد ويهلكه ويوقعه في كل ما يكره ، ويرى بسبب الظلم ما يسوءه في كل ما يحب. الظلم يخرب البيوت العامرة ، ويجعل الديار دامرة ، الظلم يبيد الأمم ويهلك الحرث والنسل. ولقد حذرنا الله تبارك وتعالى من الظلم غاية التحذير، وأخبرنا الله تعالى بأن هلاك القرون الماضية بظلمهم لأنفسهم، لنحذر أعمالهم،
فقال تعالى: ‘‘ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ* ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‘‘ [يونس:13ـ14].
وقال تعالى : ‘‘وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا‘‘ [الكهف:59].
وقال تعالى :‘‘فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ* أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ‘‘ [الحج:45ـ46].
وقال تعالى:‘‘فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‘‘ [العنكبوت:40].
وقد أجار الله هذه الأمة الإسلامية من عذاب الاستئصال والهلاك التام، ولكن تبتلى بعقوبات دون الهلاك العام؛ بسبب ذنوب تقع من بعض المسلمين وتشيع حتى لا تنكر ولا ينـزجر عنها أصحابها،
كما قال تعالى:‘‘وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ‘‘ [الأنفال:25].
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: (لا إله إ لا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من رجم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت يا رسول الله أنَهلِكُ وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث) رواه البخاري ومسلم. فدل الحديث على أن بعض الأمة في نزول العذاب صالحون وبعضهم تقع منهم ذنوب تصيب عقوباتها الكثير من الأمة في بعض الأزمنة وبعض الأمكنة. وفسر الخبث: بالزنا وعمل قوم لوط لقوله تعالى:‘‘الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَات‘‘ [النور:26]. وقوله تعالى عن لوط عليه السلام : ‘‘وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القَرْيَةِ الَتِي كَانَت تَّعْمَلُ الخَبَائِث‘‘ [الأنبياء:74]. وفسر الخبث: بالخمر ونحوه من المسكرات والمخدرات لقوله صلى الله عليه وسلم : (الخمر أم الخبائث). ومعنى الحديث عام في كل محرم يظلم به المسلم نفسه.
أيها المسلمون أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو مخالفة شرع الله تعالى.
والظلم ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ظلم للنفس لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة، وهو الشرك بالله تعالى.
قال الله عز وجل: ‘‘إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً‘‘ [النساء:116].
وقال تعالى:‘‘وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‘‘ [[لقمان:13]. فمن مات على الشرك بالله تعالى خلده الله في النار أبداً.
كما قال عز وجل:‘‘وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‘‘ [الزمر:67].
وأي ظلم أعظم من أن يجعل الإنسان لرب العالمين ندّاً يعبده من دون الله الذي خلقه، وأي ذنب أكبر من أن يتخذ الإنسان مخلوقاً إلهاً من الصالحين، أو من غيرهم، يدعوه من دون الله، أو يرجوه، أو يستغيث به، أو يخافه كخوف الله، أو يستعين به، أو يتوكل عليه، أو يذبح له القربان، أو ينذر له أو يعده لرغبته ورهبته، أو يسأله المدد والخير، أو يسأله دفع الشر والمكروه. أي ذنب أعظم من هذا الشرك بالله تعالى.
قال سبحانه :‘‘وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ‘‘ [الأحقاف:5ـ6].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سنتان موجبتان) قال رجل: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: (من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة) رواه مسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من مات وهو يدعو لله ندّاً دخل النار) رواه البخاري. وكما أن الشرك بالله تعالى أعظم السيئات وأكبر الذنوب فإن توحيد رب العالمين أعظم الحسنات، كما في الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى قال : (يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
والنوع الثاني من الظلم : الذنوب والمعاصي التي بين العبد وربه ما دون الشرك بالله.
فإن الله إن شاء الله عفى عنها بمنّه وكرمه أو كفرها بالمصائب والعقوبات في الدنيا أو في القبر، أو تجاوز عنها الرب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو شفاعة غيره من الشافعين، أو يعذب الله العاصي في النار بقدر ذنبه ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة إن كان من الموحدين كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والنوع الثالث من الظلم: مظالم بين الخلق في حقوق لبعضهم على بعض.
تعدوا فيها، وأخذها بعضهم من بعض ووقعوا في ظلم بعضهم لبعض، فهذه مظالم لا يغفرها الله إلا بأداء حقوق الخلق إليهم، فيؤدي الظالم حق المظلوم في الدنيا. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتؤدنّ الحقوق قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، يعطي المظلوم من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم ووضعت على الظالم ثم طرح في النار).
والمظالم بين العباد تكون في الدم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً).
وتكون المظالم في المال، وتكون المظالم فإقتطاع الأرض والعقارات، وفي حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع شبراً من الأرض طوقه الله إياه من سبع أراضين).
وتكون المظالم بين الأرحام بتضييع حقوق الرحم، وتكون المظالم بين الزوجين بترك حقوقهما. وتكون المظالم بين المستأجرين والعمال بسبب تضييع حقوقهم وسلبها وتكليفهم مالا يطيقون. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).
وقد وقع شكاوى من بعض العمال للعاملين عندهم بمنعهم حقوقهم أو التحايل عليها، وذلك ظلم شنيع يخرب البيوت ويمحق بركة المال وينذر بعقوبات لا طاقة للإنسان بها. وقد تكون المظالم بالتعدي على الحقوق المعنوية أو بغيبة ووشاية.
فاحذروا عباد الله الظلم، فإن الله ليس بغافل عما تعملون، وهو محرم. الظلم محرم ولو وقع على كافر.
قال الله تعالى : ‘‘ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ‘‘
اللهم لا تجعلنا من الظالمين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تحية لأخي في الله الذي حبب الي هذا الموضوع و ان شاء الله سااداوم عليه
رزقنا الله و اياه العمل الصالح و الثبات و الاستقامة....... و حسن الخاتمة..... اللهم آمين.
الرجاء من كل : من لهم الصلاحية في ذلك: تثبيت: حديث الجمعة