في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً وجعله في كمه
ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة ، قال : ما هذا ؟ قالوا :
هذا الذي يزعم أنه نبي : فجاء حتى شق الناس : فقال : واللات والعزى ما
اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إليّ منك ولا أمقت ولولا أن يسميني قومي
عجولاً لعجلت عليك ف***تك فسررت ب***ك : الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم ،
فقال عمر بن الخطاب : يارسول الله : دعني فأقوم فأ***ه . قال : (( يا عمر :
أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبياً )) ثم أقبل على الأعرابي فقال : ((
ما حملك على أن قلت ما قلت ؟ وقلت غير الحق ؟ ولم تكرمني في مجلسي ؟)) قال
: وتكلمني أيضاً ؟ استخفافاً برسول الله واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن
بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله فقال رسول الله :
(( يا ضب ؟ )) فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعاً : لبيك
وسعديك يا زين من وافى القيامة . قال : (( من تعبد يا ضب ؟ )) قال : الذي
في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته ،
وفي النار عقابه : قال : (( فمن أنا يا ضب ؟ )) قال : رسول الله رب
العالمين ، وخاتم النبيين ، وقد أفلح من صدقك ، وقد خاب من كذبك . قال
الأعرابي : لا أتبع أثراً بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض
إليّ منك ، وإنك اليوم أحب إليّ من والدي ومن عيني ، ومني وإني لأحبك
بداخلي ، وخارجي وسري وعلانيتي . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله
.
فقال رسول الله : (( الحمد لله الذي هداك بي ، إن هذا
الدين يعلو ولا يعلى عليه ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل الصلاة إلا بالقرآن
)) ، قال : فعلمني فعلمه { قل هو الله أحد } قال زدني : فما سمعت في البسيط
ولا في الرجز أحسن من هذا .
قال يا أعرابي ! : (( إن هذا كلام الله ليس بشعر إنك
قرأت { قل هو الله أحد } مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأت مرتين
كان لك أجر من قرأ ثلثي القرآن – وإذا قرأتها ثلاث مرات ، كان لك أجر من
قرأ القرآن كله )) . قال الأعرابي : نعم الإله : إلهاً يقبل اليسير ويعطي
الجزيل ، فقال له رسول الله : (( ألك مال )) قال : فقال : ما في بني سليم
قاطبه رجل هو أفقر مني ، فقال رسول الله لأصحابه : (( أعطوه )) فأعطوه
حتى أبطروه . فقام عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ! إن له عندي
ناقة عشراء دون البختين وفوق الأعربي تلحق ولا تُلحق أهُديت إليّ يوم تبوك
أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى الأعرابي .
فقال رسول الله: (( قد وصفت ناقتك فأصف مالك عند الله
يوم القيامة )) قال : نعم . قال : (( لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من
زبرجد أخضر وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس والإستبرق
وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة )) .
فقال عبد الرحمن : قد رضيت . فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم
على ألف دابة . معهم ألف سيف وألف رمح . فقال لهم : أين تريدون ؟ فقالوا :
نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فن***ه : قال : لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله فحدثهم الحديث ، فقالوا بأجمعهم : لا إله
إلا الله محمد رسول الله . ثم دخلوا فقيل للنبي : فتلقاهم بلا رداء فنزلوا
عن ركبانهم يقبلون حيث وافوا منه ، وهم يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول
الله .
ثم قالوا : يا رسول الله أمرنا بأمرك ، قال : (( كونوا تحت راية خالد بن الوليد )) فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم .
]أخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص 320) ، وأخرجه البيهقي
في الدلائل ، وذكره ابن كثير في البداية (6/149) ، والسيوطي في الخصائص (ج2
ص 65) .[